وأمر جلل رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من ذكره وبين أن ذكره يخفف من الشعور بالمعاناة في الدنيا ويمنع من الغرور بها، إنه الموت .
قال صلى الله عليه وسلم : ( أكثروا ذكر هاذم اللذات : الموت ) رواه الترمذي والنسائي وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، وعن ابن حبان وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أكثروا ذكر هاذم اللذات : الموت فأنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه ) حسنه الألباني في صحيح الجامع . قال القرطبي رحمه الله في كتابه التذكرة : ( فاعلم أن ذكر الموت يورث استشعار الإزعاج من هذه الدار الفانية والتوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالتي ضيق وسعة، ونعمة ومحنة فإن كان في حال الضيق والمحنة فذكر الموت يسهل عليه بعض ما هو فيه فانه لا يدوم، والموت أصعب منه، أو في حال نعمة وسعة فذكر الموت يمنعه من الإغترار بها والسكون إليها لقطعه عنها ) . وقد تقدمت معنا ست خطب في هذه السلسلة لو تذكرون : خطبة في ذكر الموت بعنوان : " أذكروا هاذم اللذات. وخطبة بعنوان : " أقرب غائب الموت " . وخطبة بعنوان : " ذكر الموت يزيد الإيمان " . وخطبة بعنوان : " أين الأكياس " . وخطبة بعنوان : " لماذا نكره الموت " . وخطبة بعنوان : " الموت الأبيض " . وهي خطب متباعدة قصدا. وهذه الخطبة السابعة بعنوان : " السكرات عبر وعظات " .
نقف اليوم مع الهول المهول والخطب الجسيم مع سكرات الموت وكيف كان أحوال الأنبياء والأولياء مع السكرات؟ . السكرات : هي كربات الموت وغمراته .
إن حتمية الموت سنة إلهية وقانون رباني يرتبط بإظهار قدرة الله تعالى في إفناء مخلوقاته ثم في إعادة بعثها من جديد، فسبحان من قهر العباد والجبابرة بالموت، ويرتبط أيضا بالحكمة والعدل الإلهيين في إبداع عالم آخر تتم فيه المحاسبة والجزاء والثواب [ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾] سورة الجمعة .
الموت له سكرات يلاقيها كل إنسان حين الإحتضار ولو لم يكن بين يدي العبد من هول سوى السكرات لكان جديرا أن يتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه ولا ينام جفنه ولكننا في غفلة من هذا، والناس وإن كانوا كلهم يعانون من سكرات الموت إلا أنهم ليسوا سواء فإن الموت يشتد على الكفار والفجار والظلمة قال تعالى : [ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿٩٣﴾] سورة الأنعام، وقال تعالى : [ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴿٢٧﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّـهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴿٢٨﴾] سورة محمد .
إن حتمية الموت سنة إلهية وقانون رباني يرتبط بإظهار قدرة الله تعالى في إفناء مخلوقاته ثم في إعادة بعثها من جديد، فسبحان من قهر العباد والجبابرة بالموت، ويرتبط أيضا بالحكمة والعدل الإلهيين في إبداع عالم آخر تتم فيه المحاسبة والجزاء والثواب [ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾] سورة الجمعة .
الموت له سكرات يلاقيها كل إنسان حين الإحتضار ولو لم يكن بين يدي العبد من هول سوى السكرات لكان جديرا أن يتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه ولا ينام جفنه ولكننا في غفلة من هذا، والناس وإن كانوا كلهم يعانون من سكرات الموت إلا أنهم ليسوا سواء فإن الموت يشتد على الكفار والفجار والظلمة قال تعالى : [ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿٩٣﴾] سورة الأنعام، وقال تعالى : [ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴿٢٧﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّـهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴿٢٨﴾] سورة محمد .
المستكبرون في الأرض من الكفار والمشركين والمنافقين والظلمة والفجار وهم في سكرات الموت والملائكة على رؤؤسهم لإخراج أرواحهم التي تشبثت في أجسادهم يبشرونهم بعذاب الهون يضربون وجوههم وأدبارهم .
هذا مشهد مفزع مهين وهم يحتضرون ولا حول ولا قوة لهم وهم في نهاية حياتهم على هذه الأرض وفي مستهل حياتهم الأخرى التي تفتتح بضرب الوجوه والأدبار في لحظة الوفاة، لحظة الضيق والكرب والخوف، الوجوه التي أعرضوا بها والأدبار التي ارتدوا عليها من بعد ما تبين لهم الهدى فيا لها من مأساة ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم، هم الذين أرادوا واختاروا لأنفسهم هذا المصير، هم الذين عمدوا إلى ما أسخط الله من نفاق ومعصية وتآمر مع أعداء الله وأعداء دينه وعذبوا أولياءه، طريق الهداية واضحة والحق ساطع فهم الذين كرهوا رضوان الله فلم يعملوا له بل عملوا ما يسخط الله ويغضبه فأحبط أعمالهم التي كانوا يعجبون بها ويتفاخرون ويحسبونها مهارة وبراعة وهم يتآمرون على المؤمنين ويكيدون فإذا هذه الأعمال تتضخم في أعينهم وتنتفخ ثم تهلك وتضيع تذهب هباء منثورا .
قال تعالى : [ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾] سورة ق، الموت أشد من أن يحاول الإنسان أن يروغ منه أو يبعد شبحه عن خاطره، الموت طالب لا يمل الطلب ولا يبطئ الخطى ولا يخلف الميعاد وذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في جميع الجسم . فأعدوا واستعدوا لتلك اللحظات الحتمية اللازمة . الناس يعملون كأنهم لا يموتون أو كأنهم ينسون الموت وهم كل يوم يشيعون الموتى والله عز وجل يقول : [ إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ] . أقول ماتسمعون .
الخطبة الثانية : إن للموت وسكراته غصص لا يعلمها إلا من ذاقها. كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعاني من شدة الموت يدخل يده في الماء فيمسح به وجهه ويقول : ( لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ) رواه البخاري . تأملوا يا عباد الله في هذا الوصف الرهيب فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لكعب الأحبار : حدثنا عن الموت، فقال كعب : نعم يا أمير المؤمنين هو كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل فأخذت كل شوكة بعرق ثم جذبه رجل شديد الجذب فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى . / هل رأيت المناشير وهي تنشر الخشب هل رأيت المقاريض وهي تقرض؟ الموت أشد منها .
الخطبة الثانية : إن للموت وسكراته غصص لا يعلمها إلا من ذاقها. كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعاني من شدة الموت يدخل يده في الماء فيمسح به وجهه ويقول : ( لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ) رواه البخاري . تأملوا يا عباد الله في هذا الوصف الرهيب فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لكعب الأحبار : حدثنا عن الموت، فقال كعب : نعم يا أمير المؤمنين هو كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل فأخذت كل شوكة بعرق ثم جذبه رجل شديد الجذب فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى . / هل رأيت المناشير وهي تنشر الخشب هل رأيت المقاريض وهي تقرض؟ الموت أشد منها .
قال شداد بن أوس : الموت أفضع هول في الدنيا وهو أشد من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض وغلي في القدور ولو أن الميت نشر " أي بعث من قبره " فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا تلذذوا بنوم .
لا إله إلا الله أين من يتعظ؟ الحسن البصري رحمه الله دخل على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه وشدة ما نزل به فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم فقالوا له : الطعام يرحمك الله فقال : يا أهلاه عليكم بطعامكم وشرابكم فو الله لقد رأيت مصرعا لا أزال أعمل له حتى ألقاه .
ولما حضرت عمرو بن العاص رضي الله عنه الوفاة قال له ابنه عبدالله : يا أبتاه إنك قد كنت تقول لنا : ليتني ألقى رجلا عاقلا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد وأنت ذلك الرجل فصف لي الموت، فقال : ( والله يا بني لكأن جنبي في تخت وكأني أتنفس من سم إبرة وكأن غصن الشوك يجر به من قدمي إلى هامتي )، لا إله إلا الله أخبارهم كثيرة في سكرات الموت ولكن ليست العبرة بسرد تلك الأخبار ولكن العبرة بالإتعاظ والإعتبار فخذوا هذه الوصية من الحسن البصري رحمه الله قال : ( اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان سكرة الموت وحسرة الفوت ) .
وأخرى من ابن السماك رحمه الله قال : ( احذر السكرة والحسرة أن يفجأك الموت وأنت على الغرة " أي في الغفلة " فلا يصف واصف قدر ما تلقى ) . صلوا وسلموا على نبيكم .